وضع داكن
24-11-2024
Logo
تربية الأولاد إصدار 2008 - الدرس : 31 - التربية الاجتماعية -12ـ توقير الكبير
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

الحياء أكبر سبب يحمل أبناءنا على توقير الكبير:

أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في تربية الأولاد، وفي التربية الاجتماعية، وفي موضوع توقير الكبير.
ولكن في هذا اللقاء الطيب الحديث عن السبب الكبير الذي يحمل أبناءنا على توقير الكبير.
أكبر سبب يحمل أولادنا على توقير الكبير أن ننمي فيهم الحياء.

(( الحياءَ من الإيمانِ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك عن عبد الله بن عمر ]

توقير الكبير من لوازمه الحياء، وأجمل ما في الشاب، بل أجمل ما في الطفل حياؤه.

(( الحياءَ من الإيمانِ ))

(( الإيمان بضع وستون، أو بضع وسبعون شعبة، أفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياءُ شُعْبَةٌ من الإيمان ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة ]

الحياء فضيلة والخجل نقيصة:

الحياء فضيلة، أما الخجل نقيصة، الخجل أن تخجل أن تطالب بحقك، هذا خجل، الخجل أن تتهيب أن تدلي برأيك، الخجل أن تستحي بأن تقول: لا، علامة المؤمن أنه يقول: لا بملء فمه.
بحياة المؤمن نعم ولا، إذا كان هناك شيء يغضب الله، لا يرضي الله، يخالف الحكم الشرعي، يقول: لا بملء فمه، وكل إنسان يقول نعم دائماً هذا الذي يستطيع أن يرضي الناس كلهم فهو منافق، لا يوجد إنسان صاحب مبدأ إلا ويستخدم كلمة لا، عود نفسك أن تقول لا لشيء يتناقض مع مبادئك، يتناقض مع قيمك، مع أخلاقك، عود نفسك أن تربي ابنك على أن يقول لا حينما يدعى إلى معصية، لا.
لذلك الحياء فضيلة والخجل نقيصة، النبي الكريم يقول:

(( يا عائشة لو كان الحياء رجلاً لكان رجلاً صالحاً ))

[ أخرجه الطبراني عن عائشة أم المؤمنين ]

(( إن الفحش لو كان رجلاً لكان رجل سوء ))

[ أخرجه أبو داود الطيالسي عن عائشة أم المؤمنين ]

والله أحياناًٍ ألتقي بأطفال ربوا تربية عالية، لا تسمع منهم كلمة نابية، ولا إشارة نابية، ولا حركة نابية، ولا تعليق نابٍ، وأحياناً ترى طفل رُبي على المزاح المنحرف، ربي على أن يغش الكلمات، لا يحتمل.

من ربى ابنه تربية عالية كان محبوباً و من أهمل تربيته كان ممقوتاً:

بالمناسبة: كلما ربيت ابنك تربية عالية كان محبوباً، وكلما أهملت تربيته كان ممقوتاً.
من الحياء ألا تذكر العورات، أنا أعد هذا مؤشراً، أن تذكر العورة باسمها هذا شيء من الوقاحة، والفحش، والبذاءة، تعلم من القرآن الكريم.

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ ﴾

( سورة المعارج )

كل أنواع الانحراف الجنسي دخل في قوله تعالى:

﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ ﴾

عبّر الله عن لقاء الذكر بالأنثى في قوله:

﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ﴾

( سورة النساء الآية: 43 )

عبّر عن اللقاء الزوج بزوجته:

﴿ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً ﴾

( سورة الأعراف الآية: 189 )

النبي عليه الصلاة والسلام رأى فتاةً ترتدي ثياباً شفافة، قال: يا بنيتي إن هذه الثياب تصف حجم عظامك، كلمة عظم تثير الشهوة ؟ لا، أما أي كلمة أخرى من أعضاء المرأة تثير الشهوة، دقق في هذا الأدب.
هناك امرأة تشكو زوجها فتقول: إن زوجي صوام قوام، ما هذه الشكوى الراقية، زوجي صوام قوام، هذه شكوى، يصوم النهار ويقوم الليل، ولا يلتفت إليّ، فلما وجهه النبي الكريم أن يلتفت إلى زوجته جاءت في اليوم التالي كما تقول السيدة عائشة: عطرة نضرة، قالت: ما الذي حصل ؟ قالت: أصابنا ما أصاب الناس.

الانضباط بالثياب و الكلام ثمرة كبيرة من ثمار تربية الأولاد:

والله حينما أطالع قول الصحابيات، أو أقوال أصحاب رسول الله أرى أدباً ما بعده أدب، ممكن ألا يراك ابنك أبداً تخلع ثيابك ؟ يخلع الأب ثيابه في غرفة النوم، والباب مغلق، ويعلم أولاده أنهم إذا بدلوا ثيابهم أن يبدلوها من دون أن يراهم أحد في غرفتهم، تجد البيت فيه انضباط، ثياب سابغة، وبيت ليس فيه انضباط.
إذاً هناك انضباط في الثياب، و انضباط بالكلام، وهذه ثمرة كبيرة من ثمار تربية الأولاد، أن يعرف حق الكبير، وحق الكبير يكتسبه بخلق الحياء.

(( إنَّ لِكُلَّ دينِ خُلُقا، وخُلُقُ الإسلام الْحياءُ ))

[أخرجه مالك عن مرسل زيد بن طلحة ]

المؤمن يستحي، بل إن الله يستحي منك إذا سألته شيئاً أن يردك خائباً.

(( إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَستَحي من عبده إذا رَفَعَ إليه يديه أنْ يَرُدَّهُما صِفْرا خَائِبَتَيْنِ ))

[أخرجه أبو داود والترمذي عن سلمان الفارسي ]

﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾

( سورة الأعراف )

أي الشيطان يخلع عنهما لباسهما والملائكة تأمر بالستر، علامة الإيمان ثيابه تستره، علامة الطغيان، والانحراف، والفسق، والفجور التعري، وهذا العصر عصر تعرٍّ أو عصر ثياب تصف خطوط الجسم.

حمل الطفل على توقير الكبير:

حينما تُعلّم ابنك أن يكون حيياً أنت بهذا حملته على توقير الكبير، سيدنا علي كان شاباً، دخل سيدنا الصديق فقام له، وأجلسه مكانه إلى جانب رسول الله، فالنبي عليه الصلاة والسلام تأثر كثيراً بهذا الموقف، فقال:

(( لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل ))

أحياناً تجد طفلاً جالساً بسيارة عامة، يصعد رجل كبير بالسن يحمل أغراضاً، الطفل ما تلقى توجيهات من أهله أن يقوم لهذا الشيخ الكبير، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

(( ما أكرم شاب شيخاً لِسنِّه إِلا قيَّضَ اللهُ لهُ مَن يُكرمهُ عندَ سِنِّه ))

[أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك ]

يروي الشيخان عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال:

(( لقد كنتُ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم غُلاماً، والنبي يسأل سؤالاً، والغلام يعرف الجواب، لكنه يخجل ويستحي من أن يتكلم لوجود من هو أسن منه ))

[الشيخان عن أبي سعيد]

من وسائل التربية الناجحة احترام الطفل:

والله شيء جميل ! أحياناً تجد طفلاً بالتعبير الدارج يتكلم دون أن يطلب منه، في مجلس فيه كبراء، فيه شيوخ، فيه متكلمون، لكن لو الأب طلب من ابنه أن يتكلم، أنا أيضاً بالمقابل أحب أن تظهر شخصية الطفل، دعه يتكلم، وأصغِ له، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( من كان له صبي فليتصابَ له ))

[ من الجامع الصغير عن أبي معاوية ]

احترام الطفل من وسائل التربية الناجحة، لكن عوده أن يتكلم بعد أن يستأذن، وعوده أن يتكلم بكلام ضمن معلوماته الدقيقة، لا أن يقول كلاماً لا يعرفه.
يروى عن السيدة عائشة رضي الله عنه أنها قالت: 

(( ما رأيت أحداً أشبه سمتاً وهدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامها وقعودها، قالت: وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها )) 

[ أخرجه الحاكم عن عائشة أم المؤمنين ]

أي الأب يقوم لابنته ؟ والبنت غالية جداً، هي أقرب الناس إليه، بسمتها، وهيئتها، وتواضعها، ومحبتها لله.

(( وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبلها، وأجلسها في مجلسه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها، ما رأيت أحداً أشبه سمتاً وهدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة ))

[ أخرجه الحاكم عن عائشة أم المؤمنين ]

أما السؤال اللطيف يا رسول الله ما هذا الأدب الذي أدبك الله به ؟ فكان يقول:

(( أدبني ربي فأحسن تأديبي ))

[ من الجامع الصغير عن ابن مسعود ]

الأدب و الحياء عاملان أساسيان يميزان المؤمن عن الفاسق:

صدقوا أيها الأخوة، إذا كنت مؤمناً، مؤمن صادق إن لم تتكلم، الجلسة فيها أدب، النظرة فيها أدب، لا تنظر إلى كتاب أخيك، هناك إنسان يزور صديقه بمكتبه، يقرأ الورقة، يفتح الكتاب، غير معقول ! هذه كلها أسراره، ابتعد عن مكتبه، اجلس على كرسي آخر، لا يجلس إلا مكانه، ويقلب بأوراقه، ويفتح الدرج أحياناً، هذا ليس من الأدب، من نظر إلى كتاب أخيه من غير إذنه، هناك نهي كبير من النبي الكريم، أن ينظر المرء إلى كتاب أخيه من غير إذنه.
ما الذي يميز المؤمن ؟ الآن مؤمن وفاسق كلاهما له عينان، وأذنان، وأنف، وفم، ويتكلمان، ويدان، ورجلان، ما الذي يميز المؤمن بشكل صارخ ؟ أدبه، حياؤه، كلماته، حركاته، سكناته، هذه كلها يلفها الأدب، ودائماً الأب الراقي يربي ابنه على الأدب.
الآن كيف أن الصغير عليه أن يوقر الكبير ؟ أصحاب النبي الكريم وقروا نبيهم توقيراً كبيراً، كانوا إذا جلسوا في مجلسه كأن على رؤوسهم الطير، دائماً وأبداً طالب العلم يحتاج إلى الأدب.

لقطات من أدب النبي الكريم:

بعض اللقطات من أدب النبي عليه الصلاة والسلام، حيث كان جالساً:

(( فأقبل أبوه من الرَّضاعة، فوضع له بعضَ ثَوْبِهِ، فقعد عليه، ثم أقبلت أمُّه من الرَّضاعة ـ حليمة السعدية ـ فوضع لها شقَّ ثوبه من جانبه الآخر، فجلَسَتْ عليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فأجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْه ))

[أخرجه أبو داود عن مرسل عمر بن السائب ]

أرأيت إلى هذا الأدب ! أبوه من الرضاعة، وأمه من الرضاعة، وأخوه من الرضاعة.
سيدنا سعد بن معاذ كان سيد قومه، فلما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم قال لقومه الأنصار:

(( قوموا إِلى سيّدِكم - أو قال: خيرِكم ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي سعيد الخدري ]

أن تستقبل الإنسان المحترم استقبالاً لطيفاً، أن تخاطبه بكلام مؤدب، هذا من الأدب.
دائماً وأبداً الأب قد لا يشعر، إذا كان الأب مؤدباً فالابن مؤدب، وهذا البيت فيه أدب، فيه حياء، فيه خجل، فيه توقير الكبير، فيه توقير القريب المتقدم بالسن.

الألقاب اللطيفة التي خلعها النبي الكريم على أصحابه:

 

هناك نقطة دقيقة جداً أنه: صلى الله عليه وسلم كان شمساً، ومع ذلك أظهر الصحابة من حوله، فمثلاً عمر قال النبي عنه:

(( لو كانَ بعدي نبيّ لكانَ عمرَ بن الخطاب ))

[أخرجه الترمذي عن عقبة بن عامر ]

الصديق ؟ قال عنه: ما ساءني قط، و:

(( لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لكان أبو بكر خليلي ))

[ابن إسحاق عن بعض آل أبي سعيد بن المعلى ]

علي ؟ قال عنه:

(( أنا مدينة العلم وعلي بابها ))

[خرجه الطبراني في الكبير عن ابن عباس]

أبو عبيدة ؟ قال عنه:

(( أمين هذه الأمة ))

[أخرجه ابن حبان عن عبد الله بن مسعود ]

خالد ؟ قال عنه:

(( سيف من سيوف الله ))

[أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]

كما أن أصحابه يوقرونه، يعظمونه، يتأدبون أمامه، هو يعرف قدرهم.

من لوازم أدب الابن أن يعرف قدر أبيه:

 

بالمناسبة: عندما أنت تؤدب ابنك، تؤدبه أدباً رفيعاً أيضاً من لوازم هذا الأدب أن يعرف قدرك، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام رأى شاباً مع أبيه فقال:

(( فلا تمش أمامه، ولا تجلس قبله، ولا تدعه باسمه، ولا تستسب له ))

[أخرجه الطبراني عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ]

مثلاً: من أدبه مع أصحابه كان إذا دخل سعد بن أبي وقاص يقول:

(( هذا خالي فليرني امرؤ خاله ))

[أخرجه الترمذي عن جابر بن عبد الله ]

ما فدى أحداً من أصحابه إلا سعد بن أبي وقاص.

(( ارْمِ سَعْدٌ فِدَاكَ أَبِي وَأُمّي ))

[ أخرجه الشيخان عن علي بن أبي طالب ]

فهذه الألقاب اللطيفة التي خلعها النبي على أصحابه وهو شمس، ومع الشمس لا ترى النجوم.
مرة قرأت كلمة: إنها لمضنية مؤلمة تلك الجهود التي تبذلها النجوم لتضيء في حضرة الشموس، فالنبي عليه الصلاة والسلام سمح للنجوم أن تضيء من حوله، أن يتألقوا في وجوده، هذا من أدبه العالي.

نبذة عن سيدنا كعب بن مالك

أريد أن أعطيكم نبذة عن سيدنا كعب بن مالك حينما قصّ علينا خبر تخلفه في تبوك، عندما تخلف عن أن يلتحق برسول الله، وحمل هماً كبيراً كيف يواجه النبي عليه الصلاة والسلام، لكن عندما قفل النبي راجعاً، اشتد همه، ماذا يقول له ؟ الذي حصل أن المنافقين يزيدون عن ثمانين منافقاً جاؤوا إلى النبي واعتذروا، قدموا أعذاراً ذكية جداً، والنبي قَبِل عذرهم، فلما جاء كعب فقال في نفسه: والله لقد أوتيت جدلاً ـ أنا أملك قوة إقناع كبيرة جداً ـ ولو أردت أن أخرج من سخطه لخرجت، أي أستطيع أن أهيأ حجة محكمة تماماً، وأنجو من سخطه، لكنه قال: لو أنني خرجت من سخطه، انظر إلى التوحيد، ليوشكن الله أن يسخطه علي.

الابن يتعلم من أفعال والده لا من أقواله:

أيها الأخوة، أؤكد لكم ثانية أن الآباء والأمهات إذا تخلقوا بالأدب فإن أولادهم بالتالي سوف يكونون مؤدبين قطعاً، انظروا إلى هذا المشهد:
أخرج ابن عساكر عن أبي عمار أن زيداً بن ثابت قُربت له دابة ليركبها، فأخذ ابن عباس رضي الله عنهما بركابها، فقال زيد: تنحى يا بن عم رسول الله، ابن عباس ابن عم رسول الله، زيد بن ثابت صحابي، ولكنه عالم، فقال ابن عباس: هكذا أُمرنا أن نفعل بكبرائنا وعلمائنا، فقال زيد بن ثابت: أرني يدك، فأخرج يده فقبلها، فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا، هو قرب له ركاب الدابة، والثاني قبّل يده.
أنت حينما ترى الكبراء يتأدبون تتعلم الأدب من أفعالهم قبل أن تتعلمه من أقوالهم، هذه نصيحة لكل أب، أنت كن مستقيماً، كن مهذباً، كن أديباً، تجد البيت كله فيه مسحة أدب، ومسحة احترام.

من توقير الكبراء أن تعتني بأبيك وأمك إلى آخر لحظة:

أخواننا الكرام، نحن اتفقنا أن الكبير من هو ؟ كبير السن، نحن عندنا عادات في إسلامنا صدقوا لا تجدونها في أي مكان في العالم، الإنسان مهما تقدمت سنه يبقى عند أولاده، أما في العالم الغربي لمجرد أن تضعف حركته يؤخذ إلى مأوى العجزة، هذا الجد لا شيء يسعده كأن يكون بين أولاده، وبناته، وأحفاده، لو أُخذ إلى مأوى عجزة من فئة الخمس نجوم يحس أنه مهان.
لذلك من توقير الكبراء أن تعتني بأبيك وأمك إلى آخر لحظة، وإذا وفق الله عز وجل الواحد منا أن يكون باراً بأمه وأبيه إلى نهاية الحياة فهذا من سعادة الدنيا.
أيها الأخوة، لا يوجد مانع إنسان ذو منصب، اتفقنا أن الكبير كبير السن، والكبير كبير العلم، والكبير كبير المنصب.
ببلدة ما هناك ناحية، وهناك مدير لهذه الناحية، شاب لكنه لطيف، ويحب المصلحة العامة، ويخدم كل الناس، يجب أن يُوقر، أن يُحترم، أن تنزاح له في المسجد، الأدب شيء رائع جداً، نحن مجتمع المسلمين مجتمع مؤدب، مجتمع منضبط، مجتمع الصغير يوقر الكبير، مجتمع الكبير يعطف على الصغير، مجتمع متماسك.
زارني أخ يقيم بأمريكا، قال لي: أنتم كيف تعيشون ؟ هناك متاعب كثيرة في حياة الناس، لكنكم تحبون بعضكم بعضاً، وتوقرون بعضكم بعضاً.
أنا سافرت لبلاد كثيرة بعض البلاد الإسلامية العالم محترم احتراماً يفوق حدّ الخيال، والكبير محترم احتراماً يفوق حدّ الخيال.
انظروا إلى آبائنا، أو آباء الآباء الآن يكون الأب ساكناً بالمدينة، بحي راقٍ، لكن بيته غالٍ جداً، يبيع البيت يشتري ما يقابله أربعة بيوت في الريف ويزوج أولاده، هذا بطل.
مرة حدثني أخ كان بفرنسا، قال لي: شاهدت شاباً واقفاً على نهر السن في باريس، أحببت أن أحدثه، سألته: بمَ تفكر ؟ والله ! قال له: أفكر بقتل أبي، قال له: لِمَ ؟ قال له: أُحب فتاةً فأخذها مني.
نحن الأب همه أن يزوج أولاده، أنا حينما أحضر عقود قران أشعر أن الأب عنده عيد، زوج ابنه، زوج ابنته، الأبوة شيء ثمين جداً.
يحدثني أخ كان بأمريكا، قال لي: زارنا صديق ابني، فابنه شاب لطيف صديقه زنجي، فمرة دعا الزنجي لزيارته، لما دخل الابن للبيت قبّل يد والده ووالدته، هذا الزنجي وجد أدباً عالياً، الأم من محبتها لابنها هيأت لهم طعاماً، وجد هذا الزنجي ابناً يقبل يد والده ووالدته، والأم احتفلت بصديق ابنها، وهيأت لهم طعاماً، يقول بالنهاية: أسلم هذا الشاب، ما هذا الإسلام ؟ والله نحن عندنا آداب كبيرة جداً.

بطولة الأب لا أن يكون محترماً فقط بل أن يكون محبوباً أيضاً:

أريد أن أقول لكم ملاحظة، إن الأب بالثقافة الإسلامية محترم جداً، لكن أنا أخاطب الآباء الآن، أخاطب الأمهات أيضاً: كل أب محترم، بالثقافة، بثقافتنا، بديننا، ببيئتنا، وكل أم محترمة، لكن بطولة الأب لا أن يكون محترماً أن يكون محبوباً، وبطولة الأم لا أن تكون محترمة بل أن تكون محبوبة، الأب الصالح أولاده يتمنون بقاءه.
أنا أسمع قصصاً كثيرة، إذا كان الأب بخيلاً، وقاسياً على أولاده، وحارماً أولاده كل شيء، لو أصابته وعكة صغيرة، وجاء الطبيب، وقال: القضية سهلة، ينزعجون كثيراً، كيف سهلة ؟ يتمنونها القاضية كيف تقول سهلة ؟.
أما إذا أب كريم، أولاده في بحبوحة في حياته، يتمنون حياته، أنا أقول لكم هذه الكلمة: بطولتك أيها الأب أن يتمنى أولادك حياتك، لا أن يتمنون مماتك، الأب المحسن محترم ومحبوب، ويتمنى أولاده حياته، والأب القاسي والبخيل محترم لكنه غير محبوب، ويتمنى أولاده مماته.

من أدب الإسلام احترام الكبير في السن أو في العلم الديني أو في المنصب:

الآن أنت إذا احترمت الكبير في السن، أو في العلم الديني، أو في المنصب، كبير في المنصب، أو في السن، أو كبير في العلم، هذا من أدب الإسلام.
النبي خاطب قيصر ملك الروم، ماذا قال ؟ إلى عظيم الروم، هو ليس عظيماً عند رسول الله، هكذا تقتضي اللباقة، والكياسة، والسياسة.
كان عليه الصلاة والسلام يسلم على الصبيان، ويداعبهم، ويجري معهم، ويدعوهم إلى ركوب الجمل، فالصبي حينما يرى هذا النبي الكريم بهذه الأخلاق يحبه، أي أتمنى أن يحبك أولادك حباً جماً، يتأدبون معك ساعتئذٍ.
الإنسان بالأدب يرقى، وقلت لكم قبل قليل: لما سُئل النبي عن هذا الأدب قال:

(( أدبني ربي فأحسن تأديبي ))

[ من الجامع الصغير عن ابن مسعود ]

وبينت لكم أيضاً أن الإسلام عقيدة، وعبادة، ومعاملات، وآداب، فالآداب ربع هذا الدين.

الأدب الرفيع الذي تأدب به النبي عليه الصلاة والسلام:

لو استعرضنا الأدب الرفيع الذي تأدب به النبي عليه الصلاة والسلام، كلما رأى صحابياً عنده ثغرة كان يوجهه، يا بني اجلس هكذا.
أحياناً الإنسان يجلس ويباعد بين رجليه، المنظر قبيح، يا بني ضم رجليك إلى بعضهما، اقعد بأدب، يجلس جلسة وقورة، الجلسة فيها وضع لا يرضي، كلما لاحظت ابنك وقف وقفةً، أو مشى مشية، أو جلس جلسة ليست لبقة، ينبغي أن توجهه إليها، فالأدب أصل في التربية، دخل، قل: يا بني السلام عليكم.
مرة عمير بن وهب كان جالساً مع صفوان بن أمية، قال لي: والله يا صفوان لولا ديون لزمتني ما أطيق سدادها، ولولا أولاد صغار أخشى عليهم العنت من بعدي، لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه، فقال له صفوان: أما أولادك فهم أولادي ما امتد بهم العمر، وأما ديونك فهي عليّ بلغت ما بلغت، فاذهب لما أردت، فهذا عمير بن وهب سقى سيفه سماً، وضع يده على عاتقه، وركب ناقته، وتوجه إلى المدينة ليقتل محمداً، لأن ذهابه إلى هناك له مبرر، ابنه أسير، فإذا سُئل لماذا أنت هنا ؟ أجاب: من أجل أن أفدي ابني الأسير، وصل إلى المدينة رآه سيدنا عمر بن الخطاب، رآه يريد شراً فقال: هذا عمير جاء يريد شراً، ماذا فعل عمر ؟ أخذ منه سيفه، وقيده بحمالة سيفه، وساقه إلى النبي، أدخله على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله هذا عمير جاء يريد شراً، انظر إلى النبوة، قال له: يا عمر أطلقه، فأطلقه، قال له: يا عمر ابتعد عنه، فابتعد عنه، قال: يا عمير ادنُ مني، فدنا منه، قال له: ما الذي جاء بك إلينا ؟ قال له: جئت أفدي ابني، قال له: وهذه السيف التي على عاتقك لماذا جئت بها ؟ قال له: قاتلها الله من سيوف، وهل نفعتنا يوم بدر ؟ قال له: ألم تقل لصفوان لولا ديون لزمتني ما أطيق سدادها، ولولا أولاد صغار أخشى عليهم العنت من بعدي لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه ؟ طبعاً جاءه الوحي، يقول راوي القصة: وقف عمير بن وهب وقال: أشهد أنك رسول الله، الذي حصل بيني وبين صفوان لا يعلمه أحد إلا الله وأنت رسول الله إذاً، وأسلم.
فصفوان بن أمية كان يخرج كل يوم إلى ظاهر مكة ليتلقى الركبان ومعهم الأخبار السارة بقتل محمد، بعد أيام جاء بعض الركبان وأخبره أن عميراً أسلم، الشاهد يقول سيدنا عمر: دخل عمير على رسول الله والخنزير أحبّ إليّ منه، وخرج من عنده وهو أحبّ إليّ من بعض أولادي.
فنحن ليس عندنا عداوة مستمرة، أنت تكره عمله لكن لا تكرهه، فلما أسلم قال: دخل عمير على رسول الله والخنزير أحب إليّ منه، وخرج من عنده وهو أحب إليّ من بعض أولادي.

التوقير والحب والتعظيم يجعل المجتمع الإسلامي مؤدباً جداً:

صحابي جليل سُئل قبل أن يعدم بعد أن ألقي القبض عليه و أراد كفار قريش أن يقتلوه، بل أن يصلبوه صلباً، فقبيل أن يصلب سأله أبو سفيان: يا خبيب أتحب أن محمداً عندنا بمقامك ؟ ـ سؤال محرج، والله أنا حينما أروي إجابة خبيب لا أملك إلا أن أتأثر تأثراً بالغاً جداً ـ قال له: والله ما أحب أن أكون في أهلي وفي ولدي، وعندي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة، يقول أبو سفيان: ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً.
فالتوقير والحب والتعظيم يجعل هذا المجتمع مؤدباً جداً.
والملاحظ بحياة المسلمين أن الأب له قيمة، الأم لها قيمة، الأخ له قيمة، الأخ الأكبر كأنه والد، العم له قيمة، هذه العلاقات الأسرية النامية أساساً العالم الغربي يشكو من تفكك الأسرة، يشكو من شيوع الانحرافات الأخلاقية، أتمنى عليكم لا تنسوا أن الله سبحانه وتعالى حبانا بأشياء ثمينة.
أنا مرة كنت بأستراليا رئيس الجالية الإسلامية هناك أثناء الوداع بكى والله وقال: أبلغ أخوتنا في الشام أن مزابل الشام خير من جنات أستراليا، قلت له: لِمَ ؟ قال لي: أنتم في الشام ابنك لك، وابنك على شاكلتك، وأنت مسلم وابنك مسلم، فلو وجد بعض التقصير لكن الإسلام كبير عندكم، أما نحن احتمال الابن أن يكون غير مسلم، أو أن يكون ملحداً، واحتمال أن يأتي وفي أذنه حلقة، وباليمين لها معنى، وباليسار لها معنى أسوأ، وبكلتي الأذنين معنى أسوأ وأسوأ.

الاستقامة و الكمال و الاحترام صفات راقية تحمل الأبناء على احترام الآباء:

إذاً: نحن نعيش في علاقات أسرية متينة هذا من فضل الله علينا، الإنسان عندما يسافر يعرف إيجابيات مجتمعه، وسلبيات مجتمعه، نحن عندنا إيجابيات كثيرة جداً، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا معرفة هذا الدين العظيم، ومعرفة الآداب التي يتمتع بها المؤمنون.
الصحابة الكرام مؤدبون جداً، وأهم شيء عندما سألوا عم النبي الكريم: أيكما أكبر أنت أم رسول الله ؟ قال: هو أكبر مني، لكنني ولدت قبله.
أعرف أناساً، آباء محسنون لأولادهم والله أولادهم يتمتعون باحترام لوالدهم يفوق حدّ الخيال، الإحسان يساوي أدب، والكمال يساوي أدب، الآن أخاطب الآباء، إحسانك لأولادك، وكمالك، واستقامتك، وصدقك، وأمانتك، هذه الصفات الراقية تحمل أولادك على احترامك، كلما نمت العلاقات يصير إعراض الأب عن ابنه أكبر عقاب، إعراضه فقط لا يحتاج لا إلى أن يضربه، ولا إلى أن يؤدبه، إعراضه عنه يعد أكبر عقاب له.
أرجو الله سبحانه وتعالى أن تترجم هذه الحقائق إلى سلوك في بيوتنا، إلى آداب يتمتع بها أولادنا حتى يكون الابن نشأ في طاعة الله، وعلى أدب الإسلام.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور